- سمعنا عن أبطال المجاهدين "كأخبار".... لكننا لم نعش معهم التفاصيل!!!!.... هاكم تلك القصة تحكي لكم إياها
هاقد انتهت الطريق ، العدو من ورائهما و حقل من الألغام يمتد أمامهما،و مجموعة بكاملها تنتظرهما قد تتعرض لهجوم يقضي عليها ، إذ لم يستطيعا التعامل مع الموقف بحكمة
بقيا وحديهما بعد استشهاد قائدهما بصاروخ نجيا منه بأعجوبة ، و لكنه أفقدهما كل وسائل الاتصال برفاقهما ..
و الآن ، يقفان و قد بدأت أمواج الليل تتكسر عند بريق الضوء ، ثيابهما العسكرية شبه ممزقة ، و التعب حط رحاله على كاهلهما ، حتى كأنه لهاثهما يصعد إلى السماء ..
كل واحد منهما ينظر إلى الآخر ، " رضا " و " موسى " ، شابان في مقتبل العمر ، كان من المفترض أن يصلا إلى نقطة معينة لهما في الداخل المحتل ، لكن تحليق طائرات الاستكشاف ، و طلعات الطيران الحربي التي ألقت بقذائف أدت إلى استشهاد مسؤول المجموعة ( مرشد الطريق ) ، و أيضاً إلى تحريف وجهة سيرهما بسبب كثافة الصواريخ ..
كانت ليلة قاسية ، غاب فيها ضوء القمر ، و انتشر ضباب كثيف على اكتاف الأودية و الجبال .. جلسا ليرتاحا قليلاً ، فهما منذ ثلاثة أيام لم يتدثرا راحة و لو قليلة ..
البرد قارس ، و صمت رهيب نشر جنحيه على وجهيهما المموهين بالتراب و الدماء .. الآن عليهما تفكيك بعض لألغام ليصلا إلى أقرب نقطة تعود بهما إلى الطريق الصحيح و لكن على أحدهما أن يمشي في حقل الألغام قبل الآخر ..
هما يعرفان بعضهما منذ قرابة الخمس سنوات ضمن مجموعة من خمسة أفراد عرفت بتمازج روحي غريب ، استشهد منها ثلاثة و بقيا هما .. و هاهما وصلا سوياً إلى آخر الطريق ..
نظر " رضا " إلى " موسى " و قد علت محياه بسمة متعبة قائلاً له بأسلوب حازم : " الآن و قد استشهد قائد المجموعة علينا أن نؤمر أحدنا لنعبر هذا الحقل ، و بما اني الأكبر سنا سأتولى انا القيادة ، و بما اني القائد سأمشي في الحقل قبلك " ..
انتفض موسى من مكانه و لمعت في عينيه شرارات الاستنكار : لا ، بل أنا من سيمشي في الحقل قبلك " ..
هدأ " رضا " من روعه : " اسمع يا صديقي أنا من ساعدك و دربك في عمل نزع الألغام ، هذا يعني أن خبرتي تفوق خبرتك " ..
نكس موسى نظراته إلى الأرض و قد انهمرت دمعة قطعت نبراته الشجية : " لو كنت أكيداً أنك تود المشي قبلي لأجل ذلك ما أوقفتك يا رفيق دربي ، و لكني أدرك انك تؤثرني على نفسك، و يصعب علي الموافقة ، فأنت البعض الجميل من كلي الذي ما دونه فتات .. إني لأعرفك أكثر مما تعرفك أمك ، لقد قضينا أياماً طوية معا كانت كفيلة أن نحفظ عدد أنفاسنا .. أتذكر ، كنا مجموعة من خمسة ، استشهد ثلاثة منا و بقينا نحن .. أنت و أنا كلانا يخشى أن يستشهد رفيقه قبله .. إني لأدرك عمق الحزن الذي يحيل بداخلك منذ استشهادهم .. أنا أيضاً تعبت من الغربة ، و الآن تريد أن ترحل دوني أنت أيضاً ؟ كيف سأسمح لك أن تمشي لتفكك الألغام لكي أعبر بسلام .. ويل لنفسي إن قبلت .. شلت قدمي و عميت عيناي و زهقت روحي ان أنا تركتك " ..
شد " رضا " على عضدي " موسى " و بكى : " لماذا تصعّب علي الموقف ، أتظن أيضاً أني تاركك للعبور قبلي ، و كيف لي أن أفكك لغماً و عيني و قلبي و جميع حواسي ترافقك خوفاً عليك .. "
موسى : " اسمع ، لقد انطلقنا معاً ، و سرنا تلك الطريق الطويلة كلها معاً .. كلانا يتمنى الشهادة للآخر ، فهي منية الروح التي تحاكي النجوى ، و الآن إذا تأخرنا سيكون رفاقنا بخطر ، فالعدو قد يداهمهم في أية لحظة .. اني لأقبل لك القيادة بيننا ، و لكني أرجو منك ن تسمح لي أن أمشي قبلك " ..
شد " رضا " أحزمة جعبته : " لا .. و لكني سأقسم الحقل نصفين فنسير متوازيين ، فمن استشهد منا فقد نالت روحه من تمنت ، و من لم يستشهد فعليه مواصلة الطريق .. "
و رمق الحقل الذي بدأ يتلون بلون الفجر و طلب إلى صديقه أن يتيمم ليصليا معاً صلاة الصبح .. وقفا متساويين ، كبرا .. ركعا .. سجدا ..
و حان الوقت ، نظرا إلى بعضهما و أوصى كل واحد منه رفيقه ، و افترقا قليلاً ثم بدآ بتفكيك العبوات الأولى ، كانا يسيران بخط متواز و لا يخطو أحدهما خطوة قبل أن يخطو رفيقه .. عبرا نصف الحقل ، و أيديهما التي تتقن عملها ترافقها شفاه تلهج في كل حين بذكر تعودت عليه ..
رمقا نهاية الطريق ، خطوتان و يعبران إلى بر الأمان .. انها لمسات أخيرة انتهت و هما يناديان لبعضهما بعد أن دوى صوت انفجار قوي لصاروخ القته طائرة حربية .. لكن أحداً لم يرد النداء .. فقط حبات المطر المنهمرة بغزارة كسرت السكون الذي غطى جسديهما النغرس في التراب المبلل و الدماء ..
لقد عبر " موسى " و " رضا " حقل الألغام ، و أمنا طريقا سالما لرفاقهما الذين عندما عبروا وجدوا جثتيهما شبه متناثرة الأشلاء ، غير أن يدي " رضا " ممسكة بيد " موسى " و لقد لونتا بالنجيع .. لا شيء يفرقهما حتى الموت ..
© 2006, Layla AL Moazen
tolibleb,زنازين الخيام,
Return To Literary Gate